فصل: هذا باب ما ينتصب من المصادر توكيداً لما قبله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  هذا باب من النكرة

يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء وذلك قولك‏:‏ سلام عليك ولبيك وخير بين يديك وويل لك وويح لك وويس لك وويلة لك وعولة لك وخير له وشر له و ‏"‏ لعنة الله على الظالمين ‏"‏‏.‏

فهذه الحروف كلها مبتدأ مبني عليها ما بعدها والمعنى فيهن أنك ابتدأ شيئاً قد ثبت عندك ولست في حال حديثك تعمل في إثباتها وتزجيتها وفيها ذلك المعنى كما أن حسبك فيها معنى النهي وكما أن رحمه الله عليه فيه معنى رحمة الله‏.‏

فهذا المعنى فيها ولم تجعل بمنزلة الحروف التي إذا ذكرته كنت في حال ذكرك إياها تعمل في إثباتها وتزجيتها كما أنهم لم يجعلوا سقياً ورعياً بمنزلة هذه الحروف فإنما تجريها كما أجرت العرب وتضعها في المواضع التي وضعن فيها ولا تدخلن فيها ما لم يدخلوا من الحروف‏.‏

ألا أترى أنك لو قلت‏:‏ طعاماً لك وشراباً لك ومالاً لك تريد معنى سقياً أو معنى المرفوع الذي فيه معنى الدعاء لم يجز لأنه لم يستعمل هذا الكلام كما استعمل ما قبله‏.‏

فهذا يدلك ويبصرك أنه ينبغي لك أن تجري هذا الحروف كما أجرت العرب وأن تعني ما عنوا ‏"‏ بها ‏"‏‏.‏

فكما لم يجز أن يكون كل حرف بمنزلة المنصوب الذي أنت في حال ذكرك إياه تعمل في إثباته وتزجيته ولم يجز لك أن تجعل المنصوب بمنزلة المرفوع‏.‏

إلا أن العرب ربما أجرت الحروف على الوجهين‏.‏

ومثل الرفع‏:‏ ‏"‏ طوبى لهم وحسن مآب ‏"‏ يدلك على رفعها رفع حسن مآب‏.‏

وأما قوله تعالى جده‏:‏ ‏"‏ ويل يومئذ للمكذبين ‏"‏ و ‏"‏ ويل للمطففين ‏"‏ فإنه لا ينبغي أن تقول إنه دعاء ههنا لأن الكلام بذلك قبيح واللفظ ‏"‏ به ‏"‏ قبيح ولكن العباد إنما كلموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنه والله أعلم قيل لهم‏:‏ ويل للمطففين وويل ‏"‏ يومئذ ‏"‏ للمكذبين أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشر والهلكلة فقيل‏:‏ هؤلاء ممن دخل في الشر والهلكة ووجب لهم هذا‏.‏

ومثل ذلك ‏"‏ قوله تعالى ‏"‏‏:‏ ‏"‏ فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ‏"‏‏.‏

فالعلم قد أتى من وراء ما يكون ولكن اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم وليس لهما أكثر من ذا ما لم يعلما‏.‏

وتقول‏:‏ ويل له ويل طويل فإن شئت جعلته بدلاً من المبتدأ الأول وإن شئت جعلته صفة له وإن شئت قلت‏:‏ ويل لك ويلاً طويلاً تجعل الويل الآخر غير مبدول ولا موصوف به ولكنك تجعله دائماً أي ثبت لك الويل دائماً‏.‏

ومن هذا الباب‏:‏ فداء لك أبي وأمي وحمي لك أبي ووقاء لك أمي‏.‏

ولا تقول‏:‏ عولة لك إلا أن يكون قبلها ويلة لك ولا تقول‏:‏ عول لك حتى تقول‏:‏ ويل لك لأن ذا يتبع ذا كما أن ينوءك يتبع يسوءك ولا يكون ينوءك مبتدأ‏.‏

واعلم أن بعض العرب يقول‏:‏ ويلاً له وويلة له وعولة لك ويجريها مجرى خيبة‏.‏

من ذلك قول الشاعر وهو جرير‏:‏ كسا اللؤم تيماً خضرة في جولدها فويلاً لتيم من سرابيلها الخضر ويقول الرجل‏:‏ يا ويلاه‏!‏ فيقول الآخر‏:‏ ويلاً كيلاً‏!‏ كأنه يقول‏:‏ لك ما دعوت به ويلاً كيلاً‏.‏

يدلك على ذلك قولهم إذا قال يا ويلاه‏:‏ نعم ويلاً كيلاً أي كذلك أمرك أو لك الويل ويلاً كيلاً‏.‏

وهذا مشبه بقوله‏:‏ ويل له ويلاً كيلاً‏.‏

وربما قالوا‏:‏ يا ويلاً كيلاً وإن شاء جعله على قوله‏:‏ جدعاً وعقراً‏.‏

فوضعوا الكلام فيه على غير ما وضعت العرب وذلك قولك‏:‏ ويح له وتب وتباً لك وويحاً‏.‏

فجعلوا التب بمنزلة الويح وجعلوا ويح بمنزلة التب فوضعوا كل واحد منهما على غير الموضع الذي وضعته العرب‏.‏

ولا بد لويح مع قبحها من أن تحمل على تب لأنها إذا ابتدأت لم يجز حتى يبنى عليها كلام وإذا حملتها على النصب كنت تبنيها على شيء مع قبحها‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ويح له ثم ألحقتها التب فإن النصب فيه أحسن لأن تباً إذا نصبتها فهي مستغنية عن لك فإنما قطعتها من أول الكلام كأنك قلت‏:‏ وتباً لك فأجريتها على ما أجرتها العرب‏.‏

فأما النحويون فيجعلونها بمنزلة ويح‏.‏

ولا تشبهها لأن تباً تستغنى عن لك ولا تستغنى ويح عنها فإذا قلت‏:‏ تباً له وويح له فالرفع ليس فيه كلام ولا يختلف النحويون في نصب التب إذا قلت‏:‏ ويح له وتباً له‏.‏

فهذا يدلك على أن النصب في تب فيما ذكرنا أحسن لأن ‏"‏ له ‏"‏ لم يعمل في التب‏.‏

  هذا باب ما ينتصب فيه المصدر

كان فيه الألف واللام أو لم يكن فيه على إضمار الفعل المتروك إظهاره لأنه يصير في الإخبار وذلك قولك‏:‏ ما أنت إلا سيراً وإلا سيراً سيراً وما أنت إلا الضرب الضرب وما أنت إلا قتلا قتلا وما أنت إلا سير البريد ‏"‏ سير البريد ‏"‏‏.‏

فكأنه قال في هذا كله‏:‏ ما أنت إلا تفعل فعلاً وما أنت إلا تفعل الفعل ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك‏.‏

وصار في الاستفهام والخبر بمنزلته في الأمر والنهي لأن الفعل يقع ههنا كما يقع فيهما وإن كان الأمر والنهي أقوى لأنهما لا يكونان بغير فعل فلم يمتنع المصدر ههنا ‏"‏ أن ينتصب ‏"‏ لأن العمل يقع ههنا مع المصدر في الاستفهام ‏"‏ والخبر كما يقع في الأمر والنهي والآخر غير الأول كما كان ذلك في الأمر والنهي إذا قلت‏:‏ ضرباً فالضرب غير المأمور ‏"‏‏.‏

وتقول‏:‏ زيد سيراً سيراً وإن زيداً سيراً سيراً وكذلك في ليت ولعل ولكن وكأن وما أشبه ذلك ‏"‏ وكذلك إن قلت‏:‏ أنت الدهر سيراً سيراً ‏"‏ وكان عبد الله الدهر سيراً سيراً وأنت مذ اليوم سيراً سيراً‏.‏

واعلم أن السير إذا كنت تخبر عنه في هذا الباب فإنما تخبر بسير متصل بعض ببعض في أي الأحوال كان‏.‏

وأما قولك‏:‏ إنما أنت سير فإنما جعلته خبراً لأنت ولم تضمر فعلاً‏.‏

وسنبين لك وجهه إن شاء الله‏.‏

ومن ذلك قولك‏:‏ ما أنت إلا شرب الإبل وما أنت إلا ضرب الناس وما أنت إلا ضرباً الناس‏.‏

وأما شرب الإبل فلا ينون لأنك لم تشبهه بشرب الإبل وأن الشرب ليس بفعل يقع منك على الإبل‏.‏

ونظير ما انتصب قول الله عز وجل في كتابه‏:‏ ‏"‏ فإما منا بعد وإما فداء ‏"‏ إنما انتصب على‏:‏ فإما تمنون مناً وإما تفادون فداء ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك‏.‏

ومثله قول ‏"‏ الشاعر وهو ‏"‏ جرير‏:‏ ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عياً بهن ولا اجتلابا كأنه نفى قوله‏:‏ فعياً بهن واجتلابا أي فأنا أعيا بهن وأجتلبهن اجتلاباً ولكنه نفى هذا حين قال‏:‏ ‏"‏ فلا ‏"‏‏.‏

ومثله قولك‏:‏ ألم تعلم يا فلان مسيري فإتعاباً وطرداً‏.‏

فإنما ذكر مسرحه وذكر مسيره وهما عملان فجعل المسير إتعاباً وجعل المسرح لا عي فيه وجعله فعلاً متصلاً إذا سار وإذا سرح‏.‏

وإن شئت رفعت هذا كله فجعلت الآخر هو الأول فجاز على سعة الكلام‏.‏

من ذلك قول الخنساء‏:‏ ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار فجعلها الإقبال والإدبار فجاز على سعة الكلام كقولك‏:‏ نهارك صائم وليلك قائم‏.‏

لعمري وما دهري بتأبين هالك ولا جزع مما أصاب فأوجعا جعل دهره الجزع‏.‏

والنصب جائز على قوله‏:‏ فلا عياً بهن ولا اجتلابا‏.‏

وإنما أراد‏:‏ وما دهري دهر جزع ولكنه جاز على سعة الكلام واستخفوا واختصوا كما فعل ذلك فيما مضى‏.‏

وأما ما ينتصب في الاستفهام من هذا الباب فقولك‏:‏ أقياماً يا فلان والناس قعود وأجلوساً والناس يعدون لا يريد أن يخبر أنه يجلس ولا أنه قد جلس وانقضى جلوسه ولكنه يخبر أنه في تلك الحال في جلوس وفي قيام‏.‏

وقال الراجز وهو العجاج‏:‏ أطرباً وأنت قنسري وإنما أراد‏:‏ أتطرب أي أنت في حال طرب ولم يرد أن يخبر عما مضى ولا عما يستقبل‏.‏

ومن ذلك قول بعض العرب‏:‏ ‏"‏ أغدة كغدة البعير وموتاً في بيت سلولية ‏"‏ كأنه إنما أراد‏:‏ أأغد غدة كغدة البعير وأموت موتاً في بيت سلولية‏.‏

وهو بمنزلة أطرباً وتفسيره كتفسيره‏.‏

وقال جرير‏:‏ أعبداً حل في شعبي غريباً ألؤماً لا أبا لك واغتراباً يقول‏:‏ أتلؤم لؤماً وأتغترب اغترابا وحذف الفعلين في هذا الباب لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ ‏"‏ وأما عبداً فيكون على ضربين‏:‏ إن شئت على النداء وإن شئت على قوله‏:‏ أتفتخر عبداً ثم حذف الفعل ‏"‏‏.‏

وكذلك إن أخبرت ولم تستفهم تقول‏:‏ سيراً سيراً عنيت نفسك أو غيرك وذلك أنك رأيت رجلاً في حال سير أو كنت في حال سير أو ذكر رجل يسير أو ذكرت أنت بسير وجرى كلام يحسن بناء هذا عليه كما حسن في الاستفهام‏.‏

لأنك إنما تقول‏:‏ أطرباً وأسيراً إذا رأيت ذلك من الحال أو ظننته فيه‏.‏

وعلى هذا يجري هذا الباب إذا كان خبراً أو استفهاماً إذا رأيت رجلاً في حال سير أو ظننته فيه فأثبت ذلك له‏.‏

وكذلك ‏"‏ أنت ‏"‏ في الاستفهام إذا قلت‏:‏ أأنت سيراً‏.‏

ومعنى هذا الباب أنه فعل متصل في حال ذكرك إياه استفهمت أو أخبرت وأنك في حال ذكرك شيئاً من هذا الباب تعمل في تثبيته لك أو لغيرك‏.‏

ومثل ما تنصبه في هذا الباب وأنت تعني نفسك قول الشاعر‏:‏ سماع الله والعلماء أني أعوذ بحقو خالك يا ابن عمرو وذلك أنه جعل نفسه في حال من يسمع فصار بمنزلة من رآه في حال سير فقال‏:‏ إسماعا الله

  هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي أخذت من الأفعال انتصاب الفعل

استفهمت أو لم تستفهم وذلك قولك‏:‏ أقائماً وقد قعد الناس وأقاعداً وقد سار الركب‏.‏

وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تستفهم تقول‏:‏ قاعداً علم الله وقد سار الركب وقائماً قد علم الله وقد قعد الناس‏.‏

وذلك أنه رأى رجلاً في حال قيام أو حال قعود فأراد أن ينبهه فكأنه لفظ بقوله‏:‏ أتقوم قائماً وأتقعد قاعداً ولكنه حذف استغناء بما يرى من الحال وصار الاسم بدلاً من اللفظ بالفعل فجرى مجرى المصدر في هذا الموضع‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ عائذاً بالله من شرهاً كأنه رأى شيئاً يتقى فصار عند نفسه في حال استعاذة حتى صار بمنزلة الذي رآه في حال قيام وقعود لأنه يرى نفسه في تلك الحال فقال‏:‏ عائذاً ‏"‏ بالله ‏"‏ كأنه قال‏:‏ أعوذ بالله عائذاً بالله ولكنه حذف الفعل لأنه بدل من قوله‏:‏ أعوذ بالله فصار هذا يجري ها هنا مجرى عياذاً بالله‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ عائذ بالله من شر فلان‏.‏

وإذا ذكرت شيئاً من هذا الباب فالفعل متصل في حال ذكرك وأنت تعمل في تثبيته لك أو لغيرك في حال ذكرك إياه كما كنت في باب حمداً وسقياً وما أشبهه إذا ذكرت شيئاً منه في حال تزجيه وإثبات وأجريت عائذاً ‏"‏ بالله ‏"‏ في الإضمار والبدل مجرى المصدر كما كان هنيئاً بمنزلة المصدر فيما ذكرت لك‏.‏

وقال الشاعر وهو عبد الله بن الحارث السهمي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألحق عذابك بالقوم الذي طغوا وعائذاً بك أن يعلوا فيطغوني فكأنه قال‏:‏ وعياذاً بك‏.‏

ومثله قوله‏:‏ أراك جمعت مسألة وحرصاً وعند الحق زحاراً أنانا كأنه قال‏:‏ ‏"‏ تزحر ‏"‏ زحيراً و ‏"‏ تئن ‏"‏ أنيناً ‏"‏ ثم وضعه مكان هذا أي أنت عند الحق هكذا ‏"‏‏.‏

  هذا باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ من الفعل مجرى الأسماء التي أخذت من الفعل

وذلك قولك‏:‏ أتميمياً مرة وقيسياً أخرى‏.‏

وإنما هذا أنك رأيت رجلاً في حال تلون وتنقل فقلت‏:‏ أتميماً مرة وقيسياً أخرى كأنك قلت‏:‏ أتحول تميمياً مرة وقيسياً أخرى‏.‏

فأنت في هذه الحال تعمل في تثبين هذا له وهو عندك في تلك الحال في تلوم وتنقل وليس يسأله مسترشداً عن أمر هو جاهل به ليفهمه إياه ويخبره عنه ولكنه وبخه بذلك‏.‏

وحدثنا بعض العرب أن رجلاً من بني أسد قال يوم جبلة واستقبله بعير أعور فتطير ‏"‏ منه ‏"‏ فقال‏:‏ يا بني أسد أعور وذا ناب‏!‏ فلم يرد أن يسترشدهم ليخبروه عن عوره وصحته ولكنه نبههم كأنه قال‏:‏ أتستقبلون أعور وذا ناب‏!‏ فالاستقبال في حال تنبيهه إياهم كان واقعاً كما كان التلون والتنقل عندك ثابتين في الحال الأول وأراد أن يثبت لهم الأعور ليحذوره‏.‏

ومثل ذلك قول الشاعر‏:‏ أفي السلم أعياراً جفاء وغلظة وفي الحرب أشباه الإماء العوارك أي تنقلون وتلونون مرة كذا ومرة كذا‏.‏

وقال‏:‏ أفي الولائم أولاداً لواحدة وفي العيادة أولاداً لعلات وأما قول الشاعر‏:‏ أعبداً حل في شعبي غريباً فيكون على وجهين‏:‏ على النداء على أنه رآه في حال افتخار واجتراء فقال‏:‏ أعبداً أي أتفخر عبداً كما قال‏:‏ أتميمياً ‏"‏ مرة ‏"‏‏.‏

وإن أخبرت في هذا الباب على هذا الحد نصبت أيضاً كما نصب في حال الخبر الاسم الذي أخذ من الفعل وذلك قولك‏:‏ تميمياً قد علم الله مرة وقيسياً أخرى‏.‏

فلم ترد أن تخبر القوم بأمر قد جهلوه ولكنك أردت أن تشتمه بذلك فصار بدلاً من اللفظ بقولك‏:‏ أتتم مرة وتتقيس أخرى وأتمضون وقد استقبلكم هذا وتنقلون وتلونون فصار هذا كهذا كما كان ترباً وجندلاً بدلاً من اللفظ بتربت وجندلت لو تكلم بهما‏.‏

ولو مثلت ما نصبت عليه الأعيار والأعور في البدل من اللفظ لقلت‏:‏ أتعيرون مرة وأتعورون إذا أوضحت معناه لأنك إنما تجريه مجرى ما له فعل من لفظه وقد يجرى مجرى الفعل ويعمل عمله ولكنه كان أحسن أن توضحه بما يتكلم به إذا كان لا يغير معنى الحديث‏.‏

وكذلك هذا النحو ولكنه يترك استغناء بما يحسن من الفعل الذي لا ينقض المعنى‏.‏

وأما قوله جل وعز‏:‏ ‏"‏ بلى قادرين ‏"‏ فهو على الفعل الذي أظهر كأنه قال‏:‏ بلى نجمعها قادرين‏.‏

حدثنا بذلك يونس‏.‏

وأما قوله وهو الفرزدق‏:‏ فإنما أراد‏:‏ ولا يخرج فيما أستقبل كأنه قال‏:‏ ولا يخرج خروجاً‏.‏

ألا تراه ذكر ‏"‏ عاهدت ‏"‏ في البيت الذي قبله فقال‏:‏ ألم ترني عاهدت ربي وإنني لبين رتاج قائماً ومقام ولو حمله على أنه نفى شيئاً هو فيه ولم يرد أن يحمله على عاهدت جاز‏.‏

وإلى هذا الوجه كان يذهب عيسى فيما نرى لأنه لم يكن يحمله على عاهدت‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ما أنت إلا قائم وقاعد وأنت تميمي مرة وقيسي أخرى وإني عائذ بالله ارتفع‏.‏

ولو قال‏:‏ هو أعور وذو ناب لرفع‏.‏

هذا كله ليس فيه إلا الرفع لأنه مبني على الاسم الأول والآخر هو الأول فجرى عليه‏.‏

وزعم يونس أن من العرب من يقول‏:‏ عائذ بالله يريد‏:‏ أنا عائذ بالله كأنه أمر قد وقع بمنزلة الحمد لله وما أشبهه‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن رجلاً لو قال‏:‏ أتميمي يريد‏:‏ ‏"‏ أنت ‏"‏ ويضمرها لأصاب‏.‏

وإنما كان النصب ها هنا الوجه لأنه موضع يكون الاسم فيه عاقباً للفظ بالفعل فاختير فيه كما يختار فيما مضى من المصادر التي في غير الأسماء‏.‏

والرفع جيد لأنه المحدث عنه والمستفهم‏.‏

ولو قال‏:‏ أعور وذو ناب كان مصيباً‏.‏

وزعم يونس أنهم يقولون‏:‏ عائذ بالله‏.‏

فإن أظهر هذا المضمر لم يكن إلا الرفع إذ جاز الرفع وأنت تضمر وجاز لك أن تحمل عليه المصدر وهو غيره في قوله‏:‏ أنت سر سير فلم يجز حيث أظهر الاسم عندهم إلا الرفع كما أنه لو أظهر الفعل الذي هو بدل منه لم يكن إلا نصباً‏.‏

فكما لم يجز في الإضمار أن تضمر بعد الرفع ناصباً كذلك لم تضمر بعد الإظهار وصار المبتدأ والفعل يعمل كل واحد منهما على ‏"‏ حدة في هذا الباب لا يدخل واحد على ‏"‏ صاحبه‏.‏

  باب ما يجيء من المصادر مثنى منتصباً على إضمار الفعل المتروك إظهاره

وذلك قولك‏:‏ حنانيك كأنه قال‏:‏ تحننا بعد تحنن ‏"‏ كأنه يسترحمه ليرحمه ‏"‏ ولكنهم حذفوا الفعل لأنه صار بدلاً منه‏.‏

ولا يكون هذا مثنى إلا في حال إضافة كما لم يكن سبحان الله ومعاذ الله إلا مضافاً‏.‏

فحنانيك لا يتصرف كما لا يتصرف سبحان الله وما أشبه ذلك‏.‏

قال الشاعر وهو طرفة بن العبد‏:‏ أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض وزعم الخليل رحمه الله أن معنى التثنية أنه أراد تحننا بعد تحنن كأنه قال‏:‏ كلما كنت في رحمة وخير منك فلا ينقطعن وليكن موصولاً بآخر من رحمتك‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ لبيك وسعديك وسمعنا من العرب من يقول‏:‏ سبحان الله وحنانيه كأنه قال‏:‏ سبحان الله واسترحاماً كما قال‏:‏ سبحان الله وريحانه يريد‏:‏ واسترزاقه‏.‏

وأما قولك‏:‏ لبيك وسعديك فانتصب ‏"‏ هذا ‏"‏ كما انتصب سبحان الله وهو أيضاً بمنزلة قولك إذا أخبرت‏:‏ سمعاً وطاعة‏.‏

إلا أن لبيك لا يتصرف كما أن سبحان الله وعمرك الله وقعدك الله لا يتصرف‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ سمع وطاعة أي أمرى سمع وطاعة بمنزلة‏:‏ فقالت حنان ما أتى بك هاهنا وكما قال‏:‏ سلام‏.‏

والذي يرتفع عليه حنان وسمع وطاعة غير مستعمل كما أن الذي ينتصب عليه لبيك وسبحان الله غير مستعمل‏.‏

وإذا قال‏:‏ سمعاً وطاعة فهو في تزجية السمع والطاعة كما قال‏:‏ حمداً وشكراً على هذا التفسير‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ حذاريك كأنه قال‏:‏ ليكن منك حذر بعد حذر كما أنه أراد بقوله لبيك وسعديك‏:‏ إجابة بعد إجابة كأنه قال‏:‏ كلما أجبتك في أمر فأنا في ‏"‏ الأمر ‏"‏ الآخر مجيب وكأن هذه التثنية أشد توكيداً‏.‏

ومثله إذا أنه قد يكون حالاً وقع عليه الفعل قول الشاعر وهو عبد بني الحسحاس‏:‏ إذا شق برد شق بالبرد مثله دواليك حتى ليس للبرد لابس أي مداولتك ومداولة ‏"‏ لك ‏"‏‏.‏

وإن شاء كان حالاً‏.‏

ومثله أيضاً‏:‏ ضرباً هذاذيك وطعناً وخضاً ومعنى ‏"‏ تثنية ‏"‏ دواليك أنه فعل من اثنين لأني إذا داولت فمن كل واحد منا فعل‏.‏

وكذلك هذاذيك كأنه يقلو‏:‏ هذا بعد هذ من كل وجه‏.‏

وإن شاء حمله على أن الفعل وقع هذاً بعد هذا ‏"‏ فنصبه ‏"‏ على الحال‏.‏

وزعم يونس أن لبيك اسم واحد ولكنه جاء على ‏"‏ هذا ‏"‏ اللفظ في الإضافة كقولك‏:‏ عليك‏.‏

وزعم الخليل أنها تثنية بمنزلة حواليك لأنا سمعناهم يقولون‏:‏ حنان‏.‏

وبعض العرب يقول‏:‏ ‏"‏ لب ‏"‏ فيجريه مجرى أمس وغاق ولكن موضعه نصب‏.‏

وحواليك بمنزلة حنانيك‏.‏

ولست تحتاج في هذا الباب إلى أن تفرد لأنك إذا أظهرت الاسم تبين أنه ليس بمنزلة عليك وقد قالوا‏:‏ حوالك ‏"‏ فأفردوا ‏"‏ كما قالوا‏:‏ حنان‏.‏

قال الراجز‏:‏ أهدموا بيتك لا أبا لكا وحسبوا أنك لا أخا لكا وأنا أمشي الدألى حوالكا وقال‏:‏ دعوت لما نابني مسوراً فلبي فلبي يدي مسور فلو كان بمنزلة على لقال‏:‏ فلبي يدي مسور لأنك تقول‏:‏ على زيد وإذا أظهرت الاسم‏.‏

  باب ذكر معنى لبيك وسعديك

وما اشتقا منه وإنما ذكر ليبين لك وجه نصبه كما ذكر معنى سبحان الله‏.‏

حدثنا أبو الخطاب أنه يقال للرجل المداوم على الشيء لا يفارقه ولا يقلع عنه‏:‏ قد ألب فلان على كذا وكذا‏.‏

ويقال‏:‏ قد أسعد فلان فلاناً على أمره وساعده فالإلباب والمساعدة دنو ومتابعة‏:‏ إذا ألب على الشيء فهو لا يفارقه وإذا أسعده فقد تابعه‏.‏

فكأنه إذا قال الرجل للرجل‏:‏ يا فلان فقال‏:‏ لبيك وسعديك فقد قال له‏:‏ قرباً منك ومتابعة لك‏.‏

فهذا تمثيل وإن كان لا يستعمل في الكلام كما كان براءة الله تمثيلاً لسبحان الله ولم يستعمل‏.‏

وكذلك إذا قال‏:‏ لبيك وسعديك يعني بذلك الله عز وجل فكأنه قال‏:‏ أي رب لا أنأى عنك في شيء تأمرني به‏.‏

فإذا فعل ذلك فقد تقرب إلى الله بهواه‏.‏

وأما قوله‏:‏ وسعديك فكأنه يقول‏:‏ أنا متابع أمرك وأولياءك غير مخالف‏.‏

فإذا فعل ذلك فقد تابع وطاوع وأطاع‏.‏

وإنما حملنا على تفسير لبيك وسعديك لنوضح به وجه نصبهما لأنهما ليسا بمنزلة سقياً وحمداً وما أشبه هذا‏.‏

ألا ترى أنك تقول للسائل عن تفسير سقياً وحمداً‏:‏ إنما هو سقاك الله سقياً وأحمد الله حمداً وتقول‏:‏ حمداً بدل من أحمد الله وسقياً بدل من سقاك الله‏.‏

ولا تقدر أن تقول‏:‏ ألبك لباً وأسعدك سعداً ولا تقول‏:‏ سعداً بدل من أسعد ولا لباً بدل من ألب‏.‏

فلما لم يكن ذاك فيه التمس له شيء من غير لفظه معناه كبراءة الله حين ذكرناها لنبين معنى سبحان الله‏.‏

فالتمست ‏"‏ ذلك ‏"‏ للبيك وسعديك واللفظ الذي اشتقا منه إذ لم يكونا فيه بمنزلة الحمد والسقي في فعلهما ولا يتصرفان تصرفهما‏.‏

فمعناهما القرب والمتابعة فمثلت بهما النصب في لبيك وسعديك كما مثلت ببراءة النصب في سبحان الله‏.‏

ومثل ذلك تمثيلك‏:‏ أفة وتفة إذا سئلت عنهما بقولك‏:‏ أنتنا لأن معناهما وحدهما واحد مثل تمثيلك بهراً بتباً ودفراً بنتناً‏.‏

وأما قولهم‏:‏ سبح ولبى وأفف فإنهما أراد أن يخبرك أنه قد لفظ بسبحان الله وبلبيك وبأف فصار هذا بمنزلة قوله‏:‏ قد دعدع وقد بأبأ إذا سمعته يلفظ بدع وبقوله‏:‏ بأبي‏.‏

ويدلك على ذلك قولهم‏:‏ هلل إذا قال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏

وإنما ذكرت هلل وما أشبهها لتقول قد لفظ بهذا‏.‏

ولو كان هذا بمنزلة كلمته من الكلام لكان سبحان ‏"‏ الله ‏"‏ ولب وسعد مصادر مستعملة متصرفة في الجر والرفع والنصب والألف واللام ولكن سبحت ولبيت بمنزلة هللت ودعدعت إذا قال‏:‏ دع ولا إله إلا الله‏.‏

  باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره

وذلك قولك‏:‏ مررت به فإذا له صوت صوت حمار ومررت به فإذا له صراخ صراخ الثكلى‏.‏

‏"‏ و ‏"‏ قال الشاعر وهو النابغة الذبياني‏:‏ مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد وقال‏:‏ لها بعد إسناد الكليم وهدئه ورنة من يبكى إذا كان باكيا فإنما انتصب هذا لأنك مررت به في حال تصويت ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلاً منه‏.‏

ولكنك لما قلت‏:‏ له صوت علم أنه قد كان ثم عمل فصار قولك‏:‏ له صوت بمنزلة قولك‏:‏ فإذا هو يصوت فحملت الثاني على المعنى‏.‏

وهذا شبيه في النصب لا في المعنى بقوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسبانا ‏"‏ لأنه حين قال‏:‏ ‏"‏ جاعل الليل ‏"‏ فقد علم القارئ أنه على معنى جعل ‏"‏ فصار كأنه قال‏:‏ وجعل الليل سكناً ‏"‏ وحمل الثاني على المعنى‏.‏

فكذلك ‏"‏ له ‏"‏ صوت فكأنه قال‏:‏ فإذا هو يصوت ‏"‏ فحمله على المعنى فنصبه كأنه توهم بعد قوله له صوت‏:‏ يصوت ‏"‏ صوت الحمار أو يبديه أو يخرجه صوت حمار ولكنه حذف هذا لأنه صار ‏"‏ له صوت ‏"‏ بدلاً منه‏.‏

فإذا قلت‏:‏ مررت به ‏"‏ فإذا هو ‏"‏ يصوت صوت الحمار فعلى الفعل غير حال‏.‏

فإن قلت‏:‏ صوت حمار ‏"‏ فألقيت الألف واللام ‏"‏ فعلى إضمارك فعلاً بعد الفعل المظهر سوى الفعل المظهر وتجعل صوت حمار مثالاً عليه يخرج الصوت أو حالاً كما أردت ذلك حين قلت‏:‏ فإذا له صوت‏.‏

وإن شئت أوصلت إليه يصوت فجعلته العامل فيه كقولك‏:‏ يذهب ذهاباً‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ مررت به فإذا له دفع دفعك الضعيف‏.‏

ومثل ذلك أيضاً‏:‏ مررت به فإذا له دق دقك بالمنحاز حب الفلفل‏.‏

ويدلك ‏"‏ على أنك ‏"‏ إذا قلت‏:‏ ‏"‏ فإذا ‏"‏ له صوت صوت حمار فقد أضمرت فعلاً بعد ‏"‏ له صوت ‏"‏ وصوت حمار انتصب على أنه مثال أو حال يخرج عليه الفعل أنك إذا أظهرت الفعل الذي لا يكون المصدر بدلاً منه احتجت إلى فعل آخر تضمره‏.‏

فمن ذلك قول الشاعر‏:‏ إذا رأتني سقط أبصارها دأب بكار شايحت بكارها ويكون على غير الحال ‏"‏ وإن شئت بفعل مضمر كأنك قلت‏:‏ تدأب فيكون أيضاً مفعولاً وحالاً كما يكون غير حال ‏"‏‏.‏

فما لا يكون حالاً ويكون على الفعل قول الشاعر وهو رؤبة‏:‏ لوحها من بعد بدن وسنق تضميرك السابق يطوى للسبق ‏"‏ وإن شئت كان على‏:‏ أضمرها وإن شئت كان على‏:‏ لوحها لأن تلويحه تضمير ‏"‏‏.‏

ومثله قوله وهو العجاج‏:‏ ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفاً فزلفا سماوة الهلال حتى احقوقفا وقد يجوز أن تضمر فعلاً آخر كما أضمرت بعد ‏"‏ له صوت ‏"‏ يدلك على ذلك أنك لو أظهرت فعلاً لا يجوز أن يكون المصدر مفعولاً عليه صار بمنزلة‏:‏ له صوت وذلك قوله وهو أبو كبير ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق طي المحمل صار ‏"‏ ما إن يمس الأرض ‏"‏ بمنزلة له طي لأنه إذا ذكر ذا عرف أنه طيان‏.‏

وقد يدخل في صوت حمار‏:‏ إنما أنت شرب الإبل ‏"‏ إذا ‏"‏ مثل ‏"‏ بقوله ‏"‏‏:‏ إنما أنت شرباً‏.‏

فما كان معرفة كان مفعولاً ولم يكن حالاً وشركته النكرة‏.‏

وإن شئت جعلته حالاً عليه وقع الأمر وهو تشبيهه للأول يدلك على ذلك أنك لو أدخلت ‏"‏ مثل ‏"‏ ههنا كان حسناً وكان نصباً فإذا أخرجت ‏"‏ مثل ‏"‏ قام المصدر النكرة مقام مثل لأنه مثله نكرة فدخول مثل يدلك على أنه تشبيه‏.‏

فإذا قلت‏:‏ فإذا هو يصوت صوت حمار فإن شئت نصبت على أنه مثال وقع عليه الصوت وإن شئت نصبت على ما فسرنا وكان غير حال وكأن هذا جواب لقوله‏:‏ على أي حال وكيف ومثله‏.‏

وكأنه قيل له‏:‏ كيف وقع الأمر أو جعل المخاطب بمنزلة من قال ذلك فأراد أن يبين كيف وقع الأمر وعلى أي مثال فانتصب وهو موقوع فيه وعليه وعمل فيه ما قبله وهو الفعل‏.‏

وإذا كان معرفة لم يكن حالاً وكان على فعل مظهر إن جاز أن يعمل فيه أو على مضمر إن لم يجز المظهر كما ينتصب ‏"‏ طي المحمل ‏"‏ على غير ‏"‏ يمس ‏"‏‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ له صوت صوت حمار وله صوت خوار ثور وذلك إذا جعلته صفة وإن كان معرفة لم يجز أن يكون صفة لنكرة كما لا يكون حالاً‏.‏

وسترى هذا مبيناً في بابه إن شاء الله‏.‏

وزعم الخليل أنه يجز له صوت صوت الحمار على الصفة لأنه تشبيه فمن ثم جاز أن توصف النكرة به‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه يجوز أن يقول الرجل‏:‏ هذا رجل أخو زيد إذا أردت أن تشبهه بأخي زيد‏.‏

وهذا قبيح ضعيف لا يجوز إلا في موضع الاضطرار ولو جاز هذا لقلت‏:‏ هذا قصير الطويل تريد‏:‏ مثل الطويل‏.‏

فلم يجز هذا كما قبح أن تكون ‏"‏ المعرفة ‏"‏ حالاً للنكرة إلا في الشعر‏.‏

وهو في الصفة أقبح لأنك تنقض ما تكلمت به فلم يجامعه في الحال كما فارقه في الصفة‏.‏

وسيبين لك في بابه إن شاء الله تعالى‏.‏

  هذا باب يختار فيه الرفع

وذلك قولك‏:‏ له علم علم الفقهاء وله رأي رأي الأصلاء‏.‏

وإنما كان الرفع في هذا الوجه لأن هذه خصال تذكرها في الرجل كالحلم والعلم والفضل ولم ترد أن تخبر بأنك مررت برجل في حال تعلم ولا تفهم ولكنك أردت أن تذكر الرجل بفضل فيه وأن تجعل ذلك خصلة قد استكملها كقولك‏:‏ له حسب حسب الصالحين لأن هذه الأشياء وما يشبهها صارت تحلية عند الناس وعلامات‏.‏

وعلى هذا الوجه رفع الصوت‏.‏

وإن شئت نصبت فقلت‏:‏ له علم علم الفقهاء كأنك مررت به في حال تعلم وتفقه وكأنه لم يستكمل أن يقال‏:‏ له عالم‏.‏

وإنما فرق بين هذا وبين الصوت لأن الصوت علاج وأن العلم صار عندهم بمنزلة اليد والرجل‏.‏

ويدلك على ذلك قولهم‏:‏ له شرف وله دين وله فهم‏.‏

ولو أرادوا أنه يدخل نفسه في الدين ولم يستكمل أن يقال‏:‏ له دين لقالوا‏:‏ يتدين وليس بذلك ويتشرف وليس له شرف ويتفهم وليس له فهم‏.‏

فلما كان هذا اللفظ للذين لم يستكملوا ما كان غير علاج بعد النصب في قولهم‏:‏ له علم علم الفقهاء‏.‏

وإذا قال‏:‏ له علم علم الفقهاء فهو يخبر عما قد استقر فيه قبل رؤيته وقبل سمعه منه أو رآه يتعلم فاستدل بحسن تعلمه على ما عنده من العلم ولم يرد أن يخبر أنه إنما بدأ في علاج العلم في حال ليقه إياه لأن هذا ليس مما يثنى به وإنما الثناء في هذا الموضع أن يخبر بما استقر فيه ولا يخبر أن أمثل شيء كان منه التعلم في حال لقائه‏.‏

  هذا باب ما يختار فيه الرفع إذا ذكرت المصدر الذي يكون علاجاً

وذلك إذا كان الآخر هو الأول‏.‏

وذلك نحو قولك‏:‏ له صوت صوت حسن لأنك إنما أردت الوصف كأنك قلت‏:‏ له صوت حسن وإنما ذكرت الصوت توكيداً ولم ترد أن تحمله على الفعل لما كان صفة وكان الآخر هو الأول كما قلت‏:‏ ما أنت إلا قائم وقاعد حملت الآخر على أنت لما كان الآخر هو الأول‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ له صوت أيما صوت وله صوت مثل صوت الحمار لأن أيا والمثل صفة أبدا‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أيما صوت فكأنك قلت‏:‏ له صوت حسن جداً وهذا صوت شبيه بذلك‏.‏

فأي ومثل هما الأول‏.‏

فالرفع في هذا أحسن لأنك ذكرت اسماً يحسن أن يكون هذا الكلام منه يحمل عليه كقولك‏:‏ هذا رجل مثلك وهذا رجل حسن وهذا رجل أيما رجل‏.‏

وأما‏:‏ له صوت صوت حمار فقد علمت أن صوت حمار ليس بالصوت الأول وإنما ‏"‏ جاز ‏"‏ رفعه على سعة الكلام كما جاز لك أن تقول‏:‏ ما أنت إلا سير‏.‏

فكأن الذين يقولون‏:‏ صوت حمار اختاروا هذا كما اختاروا‏:‏ ما أنت إلا سيراً إذ لم يكن الآخر هو الأول فحملوه على فعله كراهة أن يجعلوه من الاسم الذي ليس به كما كرهوا أن يقولوا‏:‏ ما أنت إلا سير إذا لم يكن الآخر هو الأول‏.‏

فحملوه على فعله فصار له صوت صوت حمار ينتصب على فعل مضمر كانتصاب ‏"‏ تضميرك السابق ‏"‏ على الفعل المضمر‏.‏

وإن قلت‏:‏ له صوت أيما صوت أو مثل صوت الحمار أو له صوت صوتاً حسناً جاز‏.‏

زعم ذلك الخليل رحمه الله‏.‏

ويقوي ذلك أن يونس وعيسى جميعاً زعما أن رؤبة كان ينشد هذا البيت نصباً‏:‏ فيها ازدهاف أيما ازدهاف يحمله على الفعل الذي ينصب صوت حمار لأن ذلك الفعل لو ظهر نصب ما كان صفة وما كان غير صفة لأنه ليس باسم تحمل عليه الصفات‏.‏

ألا ترى أنه لو قال‏:‏ مثل تضميرك أو مثل دأب بكار نصب‏.‏

فلما أضمروه فيما يكون غير الأول أضمروه أيضاً فيما يكون هو الأول كأنه قال‏:‏ تزدهف أيما ازدهاف ولكنه حذفه لأن له ازدهاف قد صار بدلاً من الفعل‏.‏

  هذا باب ما الرفع فيه الوجه

وذلك قولك‏:‏ هذا صوت صوت حمار لأنك لم تذكر فاعلاً ولأن الآخر هو الأول حيث قلت‏:‏ ‏"‏ هذا ‏"‏‏.‏

فالصوت هذا ثم قلت‏:‏ هو صوت حمار لأنك سمعت نهاقاً‏.‏

فلا شك في رفعه‏.‏

وإن شبهت أيضاً فهو رفع لأنك لم تذكر فاعلاً يفعله وإنما ابتدأته كما تبتدئ الأسماء فقلت‏:‏ هذا ثم بنيت عليه شيئاً هو هو فصار كقوله‏:‏ هذا رجل رجل حرب‏.‏

وإذا قلت‏:‏ له صوت فالذي في اللام هو الفاعل وليس الآخر به فلما بنيت أول الكلام كبناء الأسماء كان آخره أن يجعل كالأسماء أحسن وأجود فصار كقولك‏:‏ هذا رأس رأس حمار وهذا رجل أخو حرب إذا أردت الشبه‏.‏

ومن ذلك‏:‏ عليه نوح نوح الحمام على غير صفة لأن الهاء التي في عليه ليست بفاعل كما أنك إذا قلت‏:‏ فيها رجل فالهاء ليست بفاعل فعل بالرجل شيئاً فلما جاء على مثال الأسماء كان الرفع الوجه‏.‏

وإن قلت‏:‏ لهن نوح نوح الحمام فالنصب لأن الهاء هي الفاعلة‏.‏

يدلك على ‏"‏ ذلك ‏"‏ أن الرفع في هذا وفي عليه أحسن لأنك إذا قلت‏:‏ هذا أو عليه فأنت لا تريد أن تقول مررت بهذه الأسماء تفعل فعلاً ولكنك جعلت ‏"‏ عليه ‏"‏ موضعاً للنوح و ‏"‏ هذا ‏"‏ مبنى عليه نفسه‏.‏

ولو نصبت كان وجهاً لأنه إذا قال‏:‏ هذا صوت أو هذا نوح أو عليه نوح فقد علم أن مع النوح والصوت فاعلين فحمله على المعنى كما قال‏:‏ ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح

  هذا باب لا يكون فيه إلا الرفع

وذلك قولك‏:‏ له يد الثور وله رأس رأس الحمار لأن هذا اسم ولا يتوهم على الرجل أنه يصنع يداً ولا رجلاً وليس بفعل‏.‏

  هذا باب لا يكون فيه إلا الرفع

وذلك قولك‏:‏ صوته صوت حمار وتلويحه تضميرك السابق ووجدي بها وجد الثكلى لأن هذا ابتداء فالذي يبنى على الابتداء بمنزلة الابتداء‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ زيد أخوك فارتفاعه كارتفاع زيد أبدا فلما ابتدأه وكان محتاجاً إلى ما بعده لم يجعل بدلاً من اللفظ بيصوت وصار كالأسماء‏.‏

قال الشاعر ‏"‏ وهو مزاحم العقيلي ‏"‏‏:‏ وجدي بها وجد المضل بعيره بنخلة لم تعطف عليه العواطف وكذلك لو قلت‏:‏ مررت به فصوته صوت حمار‏.‏

فإن قال‏:‏ فإذا صوته يريد الوجه الذي يسكت عليه دخله نصب لأنه يضمر بعد ما يستغنى عنه‏.‏

  باب ما ينتصب من المصادر

لأنه عذر لوقوع الأمر فانتصب لأنه موقوع له ولأنه تفسير لما قبله لم كان وليس بصفة لما قبله ولا منه فانتصب كما انتصب درهم في قولك‏:‏ عشرون درهماً‏.‏

وذلك قولك‏:‏ فعلت ذاك حذار الشر وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان‏.‏

قال الشاعر هو ‏"‏ حاتم ‏"‏ بن عبد الله ‏"‏ الطائي‏:‏ واغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وقال الآخر وهو النابغة الذبياني‏:‏ وحلت بيوتي في يفاع ممنع يخال به راعي الحمولة طائرا حذاراً على أن لا تنال مقادتي ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا وقال آخر وهو الحارث بن هشام‏:‏ فصفحت عنهم والأحبة فيهم طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد وقال الراجز وهو العجاج‏:‏ والهول من تهول القبور وفعلت ذاك أجل كذا ‏"‏ وكذا ‏"‏‏.‏

فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له كأنه قيل له‏:‏ لم فعلت كذا ‏"‏ وكذا ‏"‏ فقال‏:‏ لكذا ‏"‏ وكذا ‏"‏ ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله كما عمل في ‏"‏ دأب بكار ‏"‏ ما قبله حين طرح مثل وكان حالاً‏.‏

وحسن فيه الألف واللام لأنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل حالاً‏.‏

ولا يشبه بما مضى من المصادر في الأمر والنهي ونحوهما لأنه ليس في موضع ابتداء ولا موضعاً يبنى على مبتدأ‏.‏

فمن خالف باب رحمة الله عليه وسقيا لك وحمدا لك‏.‏

  باب ما ينتصب من المصادر

لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب لأنه موقوع فيه الأمر وذلك قولك‏:‏ قتلته صبراً ولقيته فجاءة ومفاجأةً وكفاحاً ومكافحةً ولقيته عياناً وكلمته مشافهةً وأتيته ركضاً وعدواً ومشياً وأخذت ذلك عنه سمعاً وسماعاً‏.‏

وليس كل مصدر وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لأن المصدر ههنا في موضع فاعل إذا كان حالاً‏.‏

ألا ترى أنه لا يحسن أتانا سرعةً ولا أتانا رجلةً كما أنه ليس كل واطرد في هذا الباب الذي قبله لأن المصدر هناك ليس في موضع فاعل‏.‏

ومثل ذلك قول الشاعر وهو زهير بن أبي سلمى‏:‏ فلأياً بلأي ما حملنا وليدنا على ظهر محبوك ظماء مفاصله كأنه يقول‏:‏ حملنا ‏"‏ وليدنا ‏"‏ لأياً بلأي كأنه يقول‏:‏ ‏"‏ حملناه ‏"‏ جهداً بعد جهد‏.‏

هذا لا يتكلم به ولكنه تمثيل‏.‏

ومثله قول الراجز‏:‏ ومنهل وردته التقاطاً ‏"‏ أي فجاءةً ‏"‏‏.‏

واعلم أن هذا الباب أتاه النصب كما أتى الباب الأول ولكن هذا جواب لقوله‏:‏ كيف لقيته كما كان الأول جواباً لقوله‏:‏ لمه وهذا ما جاء منه في الألف واللام وذلك قولك‏:‏ أرسلها العراك‏.‏

قال لبيد بن ربيعة‏:‏ فأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على نغص الدخال وليس كل المصادر في هذا الباب يدخله الألف واللام كما أنه ليس كل مصدر في باب الحمد لله والعجب لك تدخله الألف واللام وإنما شبه بهذا حيث كان مصدراً وكان غير الاسم الأول‏.‏

وهذا ما جاء منه مضافاً معرفةً وذلك قولك‏:‏ طلبته جهدك كأنه قال‏:‏ اجتهاداً‏.‏

وكذلك طلبته طاقتك‏.‏

وليس كل مصدر يضاف كما أنه ليس كل مصدر تدخله الألف واللام في هذا الباب‏.‏

وأما فعلته طاقتي فلا تجعل نكرة كما أن معاذ الله لا تجعل نكرة‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ فعله رأى عيني وسمع أذني قال ذاك‏.‏

وإن قلت‏:‏ سمعاً جاز إذا لم تختص نفسك ولكنه كقولك‏:‏ أخذته عنه سماعاً‏.‏

  هذا باب ما جعل من الأسماء مصدراً

كالمضاف في الباب الذي يليه وذلك قولك‏:‏ مررت به وحده ومررت بهم وحدهم ومررت برجل وحده‏.‏

ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز‏:‏ مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم وكذلك إلى العشرة‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه إذا نصب ثلاثتهم فكأنه يقول‏:‏ مررت بهؤلاء فقط لم أجاوز هؤلاء‏.‏

كما أنه إذا قال‏:‏ وحده فإنما يريد‏:‏ مررت به فقط لم أجاوزه‏.‏

وأما بنو تميم فيجرونه على الاسم الأول‏:‏ إن كان جراً فجراً وإن كان نصباً فنصباً وإن كان رفعاً فرفعاً‏.‏

وزعم الخليل أن الذين يجرونه فكأنهم يريدون أن يعموا كقولك‏:‏ مررت بهم كلهم أي لم أدع منهم أحداً‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله حيث مثل نصب وحده وخمستهم أنه كقولك‏:‏ أفردتهم إفراداً‏.‏

فهذا تمثيل ولكنه لم يستعمل في الكلام‏.‏

ومثل خمستهم قول الشماخ‏:‏ أتتني سليم قضها بقضيضها تمسح حولي بالبقيع سبالها كأنه قال‏:‏ انقضاضهم ‏"‏ أي ‏"‏ انقضاضاً‏.‏

ومررت بهم قضهم بقضيضهم كأنه يقول‏:‏ مررت بهم انقضاضاً‏.‏

فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به كما كان إفراداً تمثيلاً‏.‏

وإنما ذكرنا الإفراد في وحده والانقضاض في قضهم لأنه إذا قال‏:‏ قضهم فهو مشتق من في معنى الانقضاض لأنه كأنه يقول‏:‏ انقض آخرهم على أولهم‏.‏

وكذلك وحده إنما هو من معنى التفرد فكذلك أيضاً يكون خمستهم نصباً إذا أردت معنى الانفراد فإن أردت أنك لم تدع منهم أحداً جررت كما كان ذلك في قضهم‏.‏

وبعض العرب يجعل قضهم بمنزلة كلهم يجريه على الوجوه‏.‏

  هذا باب ما يجعل من الأسماء مصدراً كالمصدر الذي فيه الألف واللام

نحو العراك وهو قولك‏:‏ مررت بهم الجماء الغفير والناس فيها الجماء الغفير‏.‏

فهذا ينتصب كانتصاب العراك‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنهم أدخلوا الألف واللام في هذا الحرف وتكلموا به على نية مالا تدخله الألف واللام وهذا جعل كقولك‏:‏ مررت بهم قاطبة ومررت بهم طراً ‏"‏ أي جميعاً إلا أن هذا نكرة لا يدخله الألف واللام كما أنه ليس كل المصادر بمنزلة العراك كأنه قال‏:‏ مررت بهم جميعاً‏.‏

فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به‏.‏

فصار طراً ‏"‏ وقاطبة بمنزلة سبحان ‏"‏ الله ‏"‏ في بابه لأنه لا يتصرف كما أن طراً وقاطبة لا يتصرفان وهما في موضع المصدر ولا يكونان معرفةً ولو كانا صفةً لجريا على الاسم أو بنيا على الابتداء فلم يوجد ذا في الصفة‏.‏

وقد رأينا المصادر قد باب ما ينتصب أنه حال يقع فيه الأمر وهو اسم وذلك قولك‏:‏ مررت بهم جميعاً وعمةً وجماعةً كأنك قلت‏:‏ مررت بهم قياماً‏.‏

وإنما فرقنا بين هذا الباب والباب الأول لأن الجميع وعامةً اسمان متصرفان تقول‏:‏ كيف عامتكم وهؤلاء قوم جميع‏.‏

فإذا كان الاسم حالاً يكون فيه الأمر لم تدخله الألف واللام ولم يضف‏.‏

لو قلت‏:‏ ضربته القائم تريد‏:‏ قائماً كان قبيحاً ولو قلت‏:‏ ضربتهم قائميهم تريد‏:‏ قائمين كان قبيحاً‏.‏

فلما كان كذلك جعلوا ما أضيف ونصب نحو خمستهم بمنزلة طاقته وجهده ‏"‏ ووحده ‏"‏ وجعلوا الجماء الغفير بمنزلة العراك وجعلوا قاطبة وطرا إذا لم يكونا اسمين بمنزلة الجميع وعامة كقولك‏:‏ كفاحاً ومكافحة وفجاءة‏.‏

فجعلت هذه كالمصادر المعروفة البينة كما جعلوا عليك ورويدك كالفعل المتمكن وكما جعلوا سبحان الله ولبيك بمنزلة حمداً وسقياً‏.‏

فهذا تفسير الخليل رحمه الله وقوله‏.‏

وزعم يونس أن وحده بمنزلة عنده وأن خمستهم والجماء الغفير وقضهم كقولك‏:‏ جميعاً وليس مثله لأن الآخر هو الأول عند يونس في المسألة الأولى وفاه إلى فى ههنا غير الأول وأما طرا وقاطبة فأشبه بذلك لأنه جيد أن يكون حالاً غير المصدر نكرة والذي نأخذ به الأول‏.‏

وأما كلهم وجميعهم وأجمعون وعامتهم وأنفسهم فلا يكن أبداً إلا صفة‏.‏

وتقول‏:‏ هو نسيج وحده لأنه اسم مضاف إليه بمنزلة نفسه إذا قلت‏:‏ هذا جحيش وحدة وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت‏:‏ مررت برجل على حياله فطرحت ‏"‏ على ‏"‏ فمن ثم قال‏:‏ هو مثل عنده‏.‏

وهو عند الخليل كقولك‏:‏ مررت به خصوصاً‏.‏

ومررت بهم خمستهم مثله ومثل قولك‏:‏ مررت بهم عما‏.‏

ولا يكون مثل جميعاً لما ذكرت لك وصار وحده بمنزلة خمستهم لأنه مكان قولك‏:‏ مررت به واحده ‏"‏ فقام وحده مقام واحده ‏"‏‏.‏

فإذا قلت‏:‏ وحده فكأنك قلت هذا‏.‏

  هذا باب ما ينتصب من المصادر توكيداً لما قبله

وذلك قولك‏:‏ هذا عبد الله حقا وهذا زيد الحق لا الباطل وهذا زيد غير ما تقول‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن قوله‏:‏ هذا القول لا قولك إنما نصبه كنصب غير ما تقول لأن ‏"‏ لا قولك ‏"‏ في ذلك المعنى‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ هذا القول لا ما تقول فهذا في موضع نصب‏.‏

فإذا قلت‏:‏ لا قولك فهو في موضع لا ما تقول‏.‏

ومثل ذلك في الاستفهام‏:‏ أجدك لا تفعل كذا وكذا كأنه قال‏:‏ أحقا لا تفعل كذا وكذا وأصله من الجد كأنه قال‏:‏ أجدا ولكنه لا يتصلاف ولا يفارقه الإضافة كما كان ذلك في لبيك ومعاذ الله‏.‏

وأما ‏"‏ غير ما تقول ‏"‏ فلا تعرى من أن تكون في هذا الموضع مضافة إلى اسم معروف نحو قولك لأنه لو قال غير قول أولا قولاً لم يكن في هذا بيان لأنه ليس كل قول باطلا وإنما يريد أن يحقق الأول بأمر معروف‏.‏

ولو قال‏:‏ هذا الأمر غير قيل باطل كان حسنا لأنه قد وكد أول كلامه بأمر معروف وقد اختصه فصار بمنزلة قولك‏:‏ لا قولك حين جعله مضافاً لأنك قد اختصصته من جميع القول بإضافتك وأنه يسوغ أن يكون قوله باطلا ولا يسوغ أن يكون جميع الأقوال باطلا‏.‏

ومن ذلك قولك‏:‏ قد قعد البتة ولا يستعمل إلا معرفة بالألف واللام كما أن جهدك وأجدك لا يستعملان إلا معرفة بالإضافة‏.‏

وأما الحق والباطل فيكونان معرفة بالألف واللام ونكرة لأنهما لم ينزلا منزلة ما لم يتمكن من المصادر كسبحان وسعديك ولكنهم أنزلوهما منزلة الظن وكذلك اليقين لأنك تحقق به كما تفعل ذلك بالحق‏.‏

فأنزل ما ذكرنا غير هذا بمنزلة عمرك الله وقعدك الله‏.‏

  هذا باب ما يكون المصدر فيه توكيداً لنفسه نصباً

وذلك قولك‏:‏ له على ألف درهم عرفاً‏.‏

ومثل ذلك قول الأحوص‏:‏ إنى لأمنحك الصدود وإننى قسماً إليك مع الصدود لأميل وإنما صار توكيداً لنفسه لأنه حين قال‏:‏ له على فقد أقر واعترف وحين قال‏:‏ لأميل علم أنه بعد حلف ولكنه قال‏:‏ عرفاً وقسماً وتوكيداً كما ‏"‏ أنه إذا ‏"‏ قال‏:‏ سير عليه فقد علم أنه كان سير ثم قال‏:‏ سيراً توكيداً‏.‏

واعلم أنه قد تدخل الألف واللام في التوكيد في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلاً من اللفظ بالفعل‏:‏ كدخولها في الأمر والنهي والخبر والاستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك‏.‏

وكذلك الإضافة بمنزلة الألف واللام‏.‏

فأما المضاف فقول الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله ‏"‏ وقال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم‏.‏

وعد الله لا يخلف الله وعده ‏"‏‏.‏

وقال جل وعز‏:‏ ‏"‏ الذى أحسن كل شيء خلقه ‏"‏‏.‏

وقال جل ثناؤه‏:‏ ‏"‏ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ‏"‏‏.‏

ومن ذلك‏:‏ الله أكبر دعوة الحق‏.‏

لأنه لما قال جل وعز‏:‏ ‏"‏ مر السحاب ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ أحسن كل شيء ‏"‏ علم أنه خلق وصنع ولكنه وكد وثبت للعباد‏.‏

ولما قال‏:‏ ‏"‏ حرمت عليكم أمهاتكم ‏"‏ حتى انقضى الكلام علم الخاطبون أن هذا مكتوب عليهم مثبت عليهم وقال‏:‏ كتاب الله توكيدا كما قال‏:‏ صنع الله وكذلك‏:‏ وعد الله لأن الكلام الذي قبله وعد وصنع فكأنه قال جل وعز‏:‏ وعداً وصنعاً وخلقاً وكتاباً‏.‏

وكذلك‏:‏ دعوة الحق لآنه قد علم أن قولك‏:‏ الله أكبر دعاء الحق ولكنه توكيد كأنه قال‏:‏ دعاء حقا‏.‏

قال رؤبة‏:‏ إن نزارا أصبحت نزارا دعوة أبرار دعوا أبرارا لأن قولك‏:‏ أصبحت نزاراً بمنزلة‏:‏ هم على دعوة بارة‏.‏

وقد زعم بعضهم أن كتاب الله ‏"‏ نصب ‏"‏ على قوله‏:‏ عليكم كتاب الله‏.‏

وقال‏:‏ قوم صبغة الله منصوبة على الأمر وقال بعضهم‏:‏ لا بل توكيدا والصبغة‏:‏ الدين‏.‏

وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن يضمر شيئاً هو المظهر كأنك قلت‏:‏ ذاك وعد الله وصبغة الله أو هو دعوة الحق على هذا ونحوه رفعه‏.‏

ومن ذلك قوله جل وعز‏:‏ ‏"‏ كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ ‏"‏ كأنه قال‏:‏ ذاك بلاغ‏.‏

واعلم أن هذا الباب أتاه النصب كمنصوب بما قبله من المصادر في أنه ليس بصفة ولا من اسم قبله وإنما ذكرته لتؤكد به ولم تحمله على مضمر يكون ما بعده رفعاً وهو مفعول به‏.‏

ومثل نصب هذا الباب قول الشاعر وهو الراعى‏:‏ دأبت إلى أن ينبت الظل بعد ما تقاصر حتى كاد في الآل يمصح وجيف المطايا ثم قلت لصحبتى ولم ينزلوا أبردتم فتروحوا لأنه قد عرف أن قوله ‏"‏ دأبت ‏"‏‏:‏ سرت لما ذكر في صدر قصيدته فصار دأبت بمنزلة أوجفت عنده فجعل وجيف المطايا توكيداً لأوجفت الذي هو في ضميره‏.‏

واعلم أن نصب هذا ‏"‏ الباب ‏"‏ المؤكد به العام منه وما وكد به نفسه ينصب على إضمار فعل غير كلامك الأول لإنه ليس في معنى كيف ولا لم كأنه قال‏:‏ أحق حقاً فجعله بدلاً كظنا من أظن ولا أقول قولك وأقول غير ما تقول وأتجد جدك وكتب الله تبارك وتعالى كتابه وادعوا دعاء حقا وصبغ الله صبغة ولكن لا يظهر الفعل لأنه صار بدلاً منه بمنزلة سقيا‏.‏